قصة أسير ..

acfd1af37ba9092a2b874631dd1016b7

اليوم السادس والثلاثين، مستشفى هداريم، تباطئ في نبضات القلب، وشبه غيبوبة، (اليوم الاصعب على الاطلاق)، هذا ما وصفه لنا الاسير المحرر هيسر عاصي طالب في جامعة الشهداء_بيرزيت.

لا تختلف قصته عن قصة بقية الاسرى في سجون الاحتلال، تسعة اشهر قضاها بظلمة الزنزانة التي أنيرت بعزيمة قلوب اخوانه الاسرى، فكانت قصصهم و إصرارهم ما تهون عليهم مرارة سجن محتل مغتصب.

دخل هيسر اضراب الكرامة مع بقية الاسرى رغما عن محاولات احباط قرار الاضراب التي كانت صادرة عن ممثل الزنزانة، بنيته النحيلة و حداثة اعتقاله لم تثنه عن الانضمام الى الاضراب.

في اليوم الاول بدأت حملات التنكيل بالاسرى، لم يتبقى علينا سوى بدلة الشاباص التي ترافقنا في كل جلسة محكمة في كل صلاة وفي كل تحقيق، في نفس اليوم وعند المغيب تم إرجاعنا الي القسم الذي سنكمل به فترة الاضراب.

أول أربعة أيام كانت عادية بعض الشيء و بدأنا الاعتياد على الاضراب، في أيام الاضراب تحولت الثواني لدقائق و كأن اليوم يتضاعف، ومع كل يوم جديد نشعر وكأن أعضائنا فقدت إنسانيتها وبدأت تنهش بعضها البعض.

الثامن والعشرين من مارس 2017، إجتمعنا لصلاة العشاء، أصلي على كرسي فلم تعد قدماي قادرة على إضرابي، بدأ كل اسير بصلاة السنة، اذكر وقتها بإني أرغمت جسدي المنهك على الوقوف لمساعدتي في البحث عن بعض من الملح ليعينني الى أن أقف لاداء الصلاة، ولكن كأن تلك الاحداث كانت عبارة عن شريط أقتتطع من فيلم، انا الان في المشفى ملطخ بالدماء، محاط بعشرة أفراد، ثلاثة اطباء، 6 سجانين ومدير إستخبارات سجن عوفر في ذلك الوقت.

كما عهدناهم بخياناهم وغدرهم، كان وقت الصلاة نقطة الصفر للهجوم علة المضربين عن الطعام.

لم نكن نتصور أن نمتلك وسيلة إعلامية في أول ايام إضرابنا من خلال حصولنا على راديو صغير لمتابعة إذاعتنا المحلية التي تقف معنا بإضرابنا عن الطعام، في يوم كنا نستمع الى احدى الاذاعات اذ أن هناك خبر عن تضامن والدة أحد زملائي في القسم، بدأت إضرابها عن الطعام و بدأ قلقنا وقلق إبنها عليها.

في هداريم سجن المقموعين، كل يوم يتم نقل عدد من الاسرى الى السجن، جاءت مجموعة جديدة من سجن النقب و مجدو و جلبوع، إلتقيت مع بطلين من أبطال معركة جنين، أحدهما حكم عليه ب53 مؤبد والآخر 44، تعرفنا الى بعضنا وبدأ كل شخص يتحدث عن نفسه وعن عائلته، نتناسى من خلال نقاشنا الالم والجوع.

 “يختي شوفيلي بنت حلال أعيش معها بقية عمري بس الله يفرجها علي “، أغرب ما سمعته من أصحاب العزائم أصحاب المؤبدات، حالة من الذهول إعتالتني، كمية التفاؤل بينهم لا وصف لها، يتحدثون ويقهقون وكأن غدا يوم تحرير فلسطين، وأقلهم حكما 30 مؤبدا، يا لعزيمتهم.

كلنا قدرات في التحمل، منا القوي ومنا الضعيف، في يوم حزين أحبط من همة ابطال الاضراب، بعضا من الاسرى لظروف ما قاموا بالالتفاف على الاضراب مقابل تعهدات من السجانين، تداركنا الموقف و أكملنا الاضراب.

في مساء اليوم السادس والثلاثين من الاضراب تدهورت حالتي الصحية، بدأت بالصراخ من شدة الالم الذي يخترق صدري الايسر، تتعالى صرخاتي بصراخ بقية اخوتي وضربهم على الباب الى أن حضر الحوفيش “طبيب السجن”، أخرجوني من الزنزانة الى عيادة الجن ولكن بإمر من الطبيب نقلوني الى مشفى هداريم، في الطريق وبعد ما يقارب 20 دقيقة فقدت الوعي، إستيقظت في غرفة العناية المركزةعلى صوت طبيب جبل المبكر “نبضه 21″، حاول الاطباء إقناعي بكسر الاضراب وفشلت محاولاتهم، في آخر أيام الاضراب عدت الى الزنزانة، بفرح وذهول إستقبلوني أخوتي في الزنزانة بعد سماعهم خبر إستشهاد أسير مضرب عن الطعام.

سبعون يوما ومئتان، ايام كانت كفيلة بأن أكمل حياتي بقوة وعزيمة و صمود أمام سجان زائل.

أضف تعليق